تتخبط الدول الإقليمية الداعمة للتنظيمات الإرهابية في قراءة مستقبل التهديدات التي بدأت تنهش جسدها، وأبعاد التغييرات في الموقف الدولي العام، والنظرة إلى ما يحدث في المنطقة.
أفضل مشاهد التخبط تُرى بأم العين على الساحة التركية لما حدث في تركيا من تهديدات إرهابية، وتغييرات سياسية نجمت عن الانتخابات الأخيرة التي أقصت أحلام أردوغان وحزبه.
ويضاف إلى ذلك، عودة النشاط الجماهيري التركي المكثف ضد سياسات حزب العدالة والتنمية، التي حولت حكومة حزب العدالة والتنمية إلى حالة منبوذة ومرفوضة من الجميع داخل تركيا وخارجها.
ما تقوم به قوات أردوغان على الحدود الجنوبية من أعمال عدوانية ضد سورية في هذه الأيام هو استمرار لعدوان مستمر منذ اليوم الأول للحرب الإرهابية على سورية، ولكن الذي تغير هو شكل العدوان، والهدف تحويل أنظار الشعب التركي إلى مشكلة تركيا الداخلية وانتشار الفكر المتطرف داخل المجتمع التركي، مضافاً إليها خوف الشعب التركي من المزيد من التفجيرات الإرهابية. المتابعون لما يجري في تركيا من داخلها وخارجها يدركون أن الأمور بين حزب العدالة والتنمية والأحزاب الاخرى ذاهبة باتجاه مواجهة سياسية ساخنة في الأسابيع القادمة، وهذه الأحزاب تراقب عن كثب إدارة أردوغان الخلاف بينه وبين رئيس حكومته أحمد داوود أوغلو، والذي من المتوقع أن يفجر حزب العدالة والتنمية، إذ تشير المعلومات إلى أن العديد من نواب الحزب في البرلمان ينتظرون فشل داوود أوغلو في تشكيل الحكومة كي ينسحبوا إلى الضفة الأخرى في المقلب الآخر الرافض مشاركة حزب العدالة في تشكيل الحكومة.
إن الاعتداءات التركية المدانة على الأراضي السورية وإن أخذت شكلاً جديداً فهي لن تغير من واقع الأمر شيئاً على المستويين السياسي والميداني، وهي تأتي من قبيل ذر الرماد في عيون الشعب التركي وتحويل أنظاره عن التهديد الإرهابي للاستقرار والذي ساهمت حكومة أردوغان في استحالة تجنبه على المدى القريب جراء تورطها في توفير كل الملاذات للإرهابيين من جميع الجنسيات.
لا شك أن اختيار تركيا نقل الخلاف السياسي الداخلي إلى تصعيد عبر الحدود يحمل مخاطر كبيرة على الدولة التركية من الناحية «الجيوسياسية»، وفقا لتحذيرات غربية للحكومة التركية مفادها بأنه بمقدور تركيا أن تختار التصعيد على الحدود الجنوبية، ولكن ليس بمقدورها السيطرة على هذا التصعيد أو رسم خواتيمه وخاصة في ظل غياب الاستقرار السياسي، والتمدد السريع للتنظيمات الإرهابية، ومحاولة توسيعها للحريق في المنطقة كلها.
أغلب وسائل الإعلام التركية ترى أن التصعيد التركي جنوباً ليس سوى حركة مكشوفة ما قبل العاصفة السياسية الداخلية الناجمة عن الانتخابات والتفجيرات الإرهابية ومحاولة أردوغان جر البلاد إلى انتخابات جديدة أملا باستعادة حزبه الفوز بنسبة مطلقة، ولكن كل ذلك يستدعي قبول الولايات المتحدة.
قد نشهد المزيد من الاعتداءات التركية عبر الحدود وقد تتوسع غرباً وشرقاً، ولكن على الأغلب ستبقى في حدود شكلها الحالي الاستعراضي.
صحيفة الثورة